دوائرنا التي تشكل هويتنا
اذا ما نظرنا الى وسط مدننا العربية، نرى ان معظمها دائرية. ونرى انها مقسمة الى أسواق تشبه بعضها، مثل سوق العطارين، سوق الاقمشة، سوق الذهب، وما الى ذلك. فلم تكن علاقات التجار مبنية على الفردانية والاكتساح او المنافسة للربح، كما هو وضعنا اليوم، انما للأخذ والعطاء ولبناء العلاقات والاكتفاء والمشاركة. فإذا اخذ بائع كفايته، يدل الشُراةٌ على بائع آخر للبركة. فكانت الدوائر تدور وتعمل في هندسة المكان والعمل والعلاقات.
اما بالنسبة لأعمالنا اليوم، فأتصور ان معظم مشاريعنا، وبالتالي تقييماتنا، تشبه الخط او السهم، إما في طلوع او (بعيد الشر) نزول. فهي إذا ما قارنّاها بصورة معروفة لدينا، فهي قد تشبه أسهم البورصة. فعادة تكون نظرية التغيير او مصفوفة النموذج المنطقي للمشاريع تتبع الواحدة تلو الأُخرى لصنع تسلسل ما. فنرتب اهدافنا واحدة تلو الأُخرى في خط، ليسيروا حسب توقعاتنا. اما التوقعات او/والمخاطر التي قد او لا تحدث، فنضعها في صندوق أدنى الوثيقة او على زاوية المصفوفة. بدأنا في الآونة الأخيرة بأن نربطها بأسهم مع الأهداف المتنوعة لتكون مترابطة أكثر، فتُعَبر جُمل التوقعات او/والمخاطر عن الهدف المرادف، ان كان قصير او/ووسط او/وطويل الأمد. وذلك خاصة بعد جائحة الكورونا، عندما أدركنا ان توقعاتنا ومخاطرنا يجب ان لا تكون في صندوق في زاوية الوثيقة، انما جزء من المعادلة ليكون امام اعيننا.
فإذا كانت معظم مشاريعنا وتقييماتنا على شكل خط او سهم، فهنا اتساءل، هل باستطاعتنا خلق مشاريع او تقييمات على شكل دائرة، فتشبهنا نحن كمجموعات العالم العربي والإفريقي؟ فللدائرة فوائد كثيرة والتي منها:
· لا نهاية لها: تدور مع نفس السردية، ولكن مع بعض التغييرات والإضافات او النقصان.
· فضفاضة: تتعامل مع نفس الأشخاص او غيرهم مع الحفاظ على القصة او السردية.
· شمولية ومتكيفة: تبني وتتغذى مما تجد حوليها لتنمو وتزدهر.
وهنا نسترجع قلب التقييم والقصص التي تكلمنا عنها في البداية. إذا تخيلنا القصص في العالم الغربي نراها تشبه الخط او السهم. تشمل البداية، الوسط والنهاية "الثاقبة" حيث يفوز الفرد او في حالتنا مثلاً نحقق أهداف المشروع المنطقية الملموسة/غير الملموسة والمربوطة بالتمويل.
اما القصص في العالم العربي والإفريقي، فهي كالدائرة، تبدأ من نقطة ما، وتكمل في مرحلة، ويبني عليها الأشخاص من هنا ومن هناك وتكبُر في مكان وتصغُر في مكان اخر، ولكن تستمر، الا ما نهاية، كما في ابنيتنا مدننا واسواقنا وعلاقتنا وحكاياتنا.
فإذا ما استخدمنا قلب وايادي وعقل التقييم، فكيف سنشكل مشاريع وتقييمات وأدوات دائرية وشمولية؟
سأجاوب، ولكن لما "العجلة"؟